العوامل الدافعة للعنف الأسري ضد المرأة:

تشكل مجموعة من العوامل التي تتعرض لها الأسرة كالظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية دوافع للعنف والعنف الأسري ضد المرأة وستتناول الباحثة لبعض هذه العوامل بصورة موجزة كالآتي:

أولاً: العوامل الاقتصادية:

 يرجع الباحثون في مجال العنف ضد المرأة ما تعانيه المرأة من إساءة إلى عوامل عديدة منها الفقر والبطالة وقلة الدخل والإحباطات والأزمات الاقتصادية ويذكرون أن العنف ضد المرأة بما فيه الاغتصاب يأتي نتيجة الفقر والكبت وقلة فرص السكن والازدحام([1]).

أضف أن الضغوط اقتصادية على المرأة مثل منعها من العمل أو إجبارها على العمل، وأيضاً السيطرة على أملاكها وحقها في الإرث، امتلاك نقود، أخذ راتبها الشهري وعدم إشراكها في مشاريع الأسرة وأعمالها أو حرمانها من المال لقضاء احتياجاتها، عدم السماح للزوجة بالحصول على النقود، رفض انفاق المال على مطالب البيت، إذلالها عند طلب المال([2]).

ويمكن تصنيف العوامل الاقتصادية، التي تؤدي إلى العنف صنفين صنف مرتبط بالوضع العام للمجتمع بحيث “ترتفع معدلات العنف والقتل في المجتمعات التي لا يكون فيها تقاسم صحيح لثرواتها ويوجد بها تفاوتاً بين الدخول بقدر كبير، وعدم تكافؤ الفرص والتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، كما أن هناك علاقة متبادلة بين ارتفاع مستويات جرائم العنف والمظاهر المتصلة مباشرة بالفقر ومنها مثلاً كثافة السكان، كثرة انتقالاتهم وارتفاع عدد الأسر بدون العائل”([3]).

أما الأخر مرتبط بالأسرة وأفرادها، وتأخذ المشكلات الاقتصادية صورا مختلفة تؤدي الى العنف الأسري ومنها البطالة وزيادة الأعباء الأسرية وتراكم الديون، والظروف المعيشية الصعبة، والخلافات الأسرية بين أفراد الأسرة حول كيفية ادارة موارد الأسرة المالية”([4]).

فالبطالة على سبيل المثال:”تتسبب في تفكيك الأسرة بما ينتج عنها من طلاق بين الزوجين، وذلك لعجز العاطل عن مصاريف البيت، ونفقة الزوجة”([5]).

إذا فالتغيرات والتحولات التي أملتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي من بينها الدعوى إلى المساواة بين الجنسين في شتى المجالات، وذلك منذ أواخر القرن الماضي ، لم تستطيع أن تغير الكثير في البنية الأساسية في المجتمع ونظرته إلى المرأة وذلك في حد ذاته يؤكد على استمرار هيمنة النظام الأبوي الذي من مصلحته استمرار هيمنة الرجل وخضوع المرأة والتمييز ضدها على كافة المستويات([6]).

ثانيا: العوامل الثقافية:

 من أكثر العوامل التي تلعب دوراً في تفسير العنف ضد المرأة العوامل الثقافية، فالثقافة السائدة لا تعترف إلا بدور الفتاة كزوجة وربة بيت وهي إن سمح لها بالتعليم والعمل ، فهذا من أجل تحسين فرصها في الزواج وعلى ألا يتعارض هذا الوضع مع دورها الأساسي في خدمة الزوج ورعاية الأبناء ، أما إذا تأخر سن الزواج بها ، أو أنها تزوجت ولم تنجب ، أو تزوجت وأنجبت إناثاً أو طلقت أو ترملت فإن ذلك كله يجعلها موضع رثاء من أعضاء المجتمع بصرف النظر عما تكون قد حققته من مكانة مهنية أو عما حصلت عليه من درجات علمية، أي أن مكانة المرأة في المجتمع تتحقق من خلال الرجل في ظل نظام الأسرة والزواج . وتهدر البنية الثقافية حقوق المرأة عامة وتحقر من شأنها ([7]).

إذا فالعنف يتأسس على ثقافة تمهد له وتقود اليه، وعندما يمارس شخصٌ ما، أو جهةُ ما عنفا تجاه الأخرين، فانه بذلك يحول أفكاره الى ممارسات، يعني أن الأفكار والقناعات والخطط موجودة في مرحلة سابقة ([8]).

وبالتالي فمن السهل ممارسة العنف بناءً على الاتكاء الثقافي المعمق في الأسرة والمجتمع، وترى الباحثة أنه مادام وتوجد ثقافة موروثة فالعنف قائم وإذا أراد أي مجتمع القضاء على العنف فيجب عليه أولاً القضاء وطمس تلك الثقافة الموجهة على التقليل من شأن المرأة وتحقيرها ومنعها من ممارسة حقوقها الطبيعية داخل الاسرة وخارجها وأن المرأة مساوية للرجل في الحقوق والواجبات وتعد دساتير العالم عامة والدولة العربية بشكل خاص كلها تنص على أن المرأة شقيقة الرجل وتتمتع بما يتمتع به الرجل من حقوق سواءً كانت سياسية أو مدنية.

ومما يجدر الإشارة إلية أن الموروث الشعبي يعد أحد الروافد العامة في تحديد بنية الثقافة السائدة والذي يحمل الكثير من المضامين التي تكرس قيماً ومعايير تدعو إلى قهر المرأة وتحجيم شأنها في الأسرة ، ومن المؤلم أن معاناة المرأة لا تبدأ عند ميلادها بل تبدأ قبل الميلاد فيكون الخوف والرعب من أن يكون المولود أنثى يصل الأمر إلى التحريض على استخدام العنف والقوة ضدها من اللحظة الأولى للتنبؤ بها قبل التكوين الخلقي([9]).

ثالثا: العوامل الاجتماعية:

يعتبر العنف ضد المرأة ظاهرة معقدة ومتأصلة في المجتمع القائم على المعتقدات والتقاليد والعادات الاجتماعية التي تشجع وتعضد السلطة الذكورية .. ويزداد الأمر تعقيداً في ظل انهيار التكافؤ الاجتماعي بين الجنسين وما يستتبعه من عدم تكافؤ الحقوق مما يعني خللاً اجتماعياً، يستتبع ذلك بالضرورة إفراز علاقات عنف بين الرجل والمرأة.

 ويقف المجتمع موقفاً حيادياً تجاه معظم أشكال العنف الذي يمارسه الرجال ضد المرأة بحجة أن ذلك أمر شخصي أو عائلي أو لأنه يعتبر جزءاً من تربية الإناث أو حق من حقوق الرجل أو أنه يعتقد أن المرأة تصرفت بطريقة استحقت ما وقع عليها من عن ، في حين ينظر المجتمع إلى العنف المضاد الذي تمارسه المرأة نظرة استنكار ويعاقبها عليه بشكل يفوق مرات عقابه للرجل عندما يقوم بنفس السلوك تجاهها([10]) .

مما يغرس في ذهن الرجل مدى ضآلة المرأة مما يؤدي إلى تحقير شأن المرأة في المجتمع ومعاملتها ككائن ناقص . فأصبح سوء المعاملة هي سمة وظاهرة في معاملة الرجل للمرأة ، كما صور الرجل بأنه القوي المتعلم ، بينما صور المرأة بالضعف والجهل  وتفرض العادات والتقاليد السائدة في المجتمع على أعضائه نماذج سلوكية معينة تجعل للقوة البدنية أهمية كبيرة ، فالأولاد يتعلمون أنهم يجب أن يكونوا أقوياء لأن القوة هي أحد مقاييس الرجولة، بينما تعلم البنات أن يكن رقيقات وجميلات وضعيفات .فتلعب التنشئة الاجتماعية دوراً هاماً في تشكيل شخصية أنثوية مغايرة تماماً لشخصية الرجل .

ويعود التكوين الذهني والوجداني لكل من الرجال والمرأة إلى تراث ثقافي واجتماعي وتعليمي يسهم في تكوين صورة عن المرأة تحصرها في إطار تقليدي من الوظائف والأدوار والمكانة الاجتماعية، كما يحوي البناء الاجتماعي العديد من الضغوط الناتجة عن أحداث الحياة اليومية والدافعة إلى العنف ، فيتحول العنف من نتيجة إلى سبب فيولد مزيداً من العنف الذي يخلق دائرة مفرغة بحيث يؤدي تكاثر السلوكيات العنيفة وتراكمها إلى أن يتحول العنف إلى أسلوب حياة .وتدفع ضغوط البنية الاجتماعية إلى تسامح الأفراد في بعض الأفعال التي تخرج عن حدو النمط المثالي من أجل التكيف مع الواقع ، فتسامح الزوجة مع الزوج في حالة استخدامه العنف ضدها لكي لا يحدث الانفصال ، مما يجعل الزوج يتمادى في هذا السلوك إلى أن يصبح بعد ذلك حق مكتسب ولا يحق لها الاعتراض إلا أن الضغوط في حد ذاتها ليست العامل الضروري الكافي لتفسير العنف ولكن عندما تتضافر عوامل أخرى مع وجود الضغوط المجتمعية والحياتية فإنه من المنتظر أن يحدث سلوك العنيف([11]).

ولعل ارتفاع نسبة العنف المسلط على المرأة داخل أسرتها وما لذلك من انعكاسات اجتماعية خطيرة، قد جعلا هذا النوع من العنف يحدى باهتمام كبير على الصعيد العالمي، حيث وضعت منظمة الأمم المتحدة وثيقة تحتوي على المبادئ التوجيهية فيما يتعلق بالعنف في اطار العائلة مركزة خاصة على العنف الذي يطال المرأة من قبل زوجها في العائلة الشرعية([12]).

وتختلف الباحثة مع هذا الرأي إذ يرجع اهتمام الأمم المتحدة وغيرها من الكيانات الحقوقية المناصرة للمرأة في نظرها إلى رغبة هذه الكيانات بتحرير المرأة من تمسكها بتعاليم الدين الاسلامي الحنيف ورغبتها في مزاحمة الرجل في كل النواحي والاصعدة ليس حباً في المرأة ولكن حباً في تفكيك لحمة الأسرة وتماسكها وشغل المرأة عن أهم وظائفها وهي تربية ابنائها وبناتها التربية الصالحة أضف أن هذه المنظمات تعمل ليل نهار لهدم الدين والمعتقد والسلوك والأخلاق الاسلامية فاتخذت من الحقوق والحريات بصورة عامة وحقوق المرأة بصورة خاصة لمحاربة الإسلام في أهم اركانه ولبناته ألا وهي المرأة وهي لا تريد للمرأة سوى التفسخ والتحلحل من القيود التي تصونها وتحافظ عليها لتكون سلعة مبتذلة لا قيمة لها.


 ([1]) المجلس القومي للمرأة، جمهورية مصر العربية العوامل المسببة للعنف ضد المرأة في المجتمع المصري، ص5.

([2]) يوسف، رندا، وآخرون، العنف ضد المرأة الريفية في محافظة أسيوط، دراسة مقدمة لقسم المجتمع الريفي والارشاد، كلية الزراعة، جامعة أسيوط، 2015، ص148.

 ([3]) المجلس القومي للمرأة، مرجع سابق، ص5

([4]) أماني محمد رفعت قاسم، نحو برنامج مقترح لتنمية المهارات المهنية للأخصائيين الاجتماعيين في العمل مع حالات العنف الأسري، مجلة دراسات في الخدمة الاجتماعية والعلوم الإنسانية، جامعة حلوان، العدد26، أفريل2005، ص17.

[5] العتيبي، سعود بن عبد العالي البارودي، الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة الطبعة الثانية، (ص: 179)

([6])المجلس القومي للمرأة، مرجع سابق، ص5.

([7]) المجلس القومي للمرأة، مرجع سابق، ص3.

([8])حسن ابراهيم أحمد، العنف من الطبيعة الى الثقافة، دراسة أفقية، النايا للدراسات والنشر، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى، 2009، ص85.

([9])المجلس القومي للمرأة، مرجع سابق، ص3.

 ([10])المجلس القومي للمرأة، مرجع سابق، ص1.

 ([11]) المجلس القومي للمرأة، مرجع سابق، ص2.

([12]) هبة ابراهيم حماد، درجة الوعي بطرق مواجهة العنف بأشكاله المتعددة، مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات الإسلامية للدراسات التربوية والنفسية، مج21، العدد1، 2013، ص505.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.