لقد حددت المادة (127/ فقرة1) أن حق الحضانة للأم بصورة الأولى استقلالا اعترافاً بمكانتها وكونها الجديرة بالعناية والرعاية للأطفال والتي تعد الحضانة حقا لها وواجب عليها وشرعت الحضانة حفاظاً على المحضونين وحق لهم بما يحقق لهم كامل الرعاية السليمة وحسن التربية فجاء النص ( الحضانة من واجبات الوالدين معاً ما دامت الزوجية قائمة بينهما، فإن افترقا فتكون الحضانة للأم ) ولذا تجد عدالة محكمتكم الموقرة أن نص المادة السالفة قد استعمل حرف (اللام) والذي يفيد التمليك والاستحقاق في اللغة العربية ليؤكد أن الأم هي صاحبة الحضانة بلا منازع وبهذا ينتهي شطر المادة(1/127) ويعد هذا النص من أحسن واجمل الآراء الذي حسم الخلاف في هذه المسألة، ولقد أكمل النص النظامي ما نصه:(.. ثم الأحق بها على الترتيب الآتي: الأب ثم أم الأم ثم أم الأب، ثم تقرر المحكمة ماترى في مصلحة المحضون وذلك دون إخلال بماتضمنته المادة (126) من هذا النظام). ومن خلال عبارات والفاظ النص ودلالاته يتضح أن تفسير النص كالآتي:
- أنه فرق بين الأم صاحبة الحضانة كقاعدة أساسية و(أصل) في هذه المسألة فجاء النص(الحضانة للأم) وكأنها ملكها ومختصة فيها والحضانة مضافة لها بدلالة حرف اللام الذي يفيد التمليك والتخصيص كما تقول الدار لأحمد، وبين بقية مستحقي الحضانة كبدل والقاعدة للغوية تنص أنه إذا تعذر الأصل يصار إلى البدل ثم أن البدل لايقوى قوة المبدل( الأصل) ولذا جاء النص النظامي وحدد شروط للبدل وهم مستحقي الحضانة إذا تعذر مستحقها الأساسي وهو الأم بأنه يجب أن تكون الحضانة لهم بناء على الترتيب النظامي في المادة السابقة: (…ثم الأحق بها على الترتيب الآتي: الأب ثم أم الأم ثم أم الأب وبالشروط الواردة في المادة (128) من ذات النظام ليدل أن الحضانة للأم أصالة وأن الحضانة للبقية استثناء وبالشروط المذكورة في باب الحضانة المادة(128) من ذات النظام.
- أن الحضانة للأم حق لايسقط بالتنازل ومن باب أولى لايسقط بالسكوت سواء طالت المدة أو قصرت لأنه من النظام العام لكونه حق للمحضون وحق للأم لها وعليها، لكنه إذا وجد مانع يمنع من حضانتها انتقل إلى الأولى ثم الأولى حسب النص النظامي السالف ذكره من مستحقي الحضانة فإن تنازل المستحق الأقرب أو سكت عنه مدة سنة سقط حقه تماما ولايحق له المطالبة به لكونه استحقاق يسقط بالتنازل أو بانتهاء المدة فإن زال المانع عن حضانة الأم لطفلها عاد هذا الحق(حق الحضانة) للأم وهذا ماينسجم وتقسيم النص وتفرقته بين حضانة الأم بقوله: (فإن افترقا فتكون الحضانة للأم ) وبين بقية مستحقي الحضانة بقوله (.. ثم الأحق بها على الترتيب الآتي: الأب ثم أم الأم ثم أم الأب، ثم تقرر المحكمة ماترى في مصلحة المحضون وذلك دون إخلال بماتضمنته المادة (126) من هذا النظام). ولو لم يكن لهذا التفرقة من فائدة حسب مابيناه لحدد النص النظامي بأن 🙁 الأحق بها على الترتيب الآتي: الأم ثم الأب ثم أم الأم ثم أم الأب، ثم تقرر المحكمة ماترى في مصلحة المحضون وذلك دون إخلال بماتضمنته المادة (126) من هذا النظام). لذكر الأم في المقدمة وحذفها من بداية النص كونها صاحبة الحضانة ومالكها بدلالة لام التمليك والتخصيص.
إن حق الحضانة الذي يسقط بالتنازل أو بالسكوت حسب نص المادة(128/الفقرة3) يراد به مستحقي الحضانة المشمولين في النص ( الأحق بها على الترتيب الآتي: الأم ثم الأب ثم أم الأم ثم أم الأب، ثم تقرر المحكمة ماترى في مصلحة المحضون وذلك دون إخلال بماتضمنته المادة (126) من هذا النظام)، فأن تنازل المستحق الأقرب أو سكت عنه مدة سنة سقط حقه تماما ولايحق له المطالبة به لكونه استحقاق يسقط بالتنازل أو بانتهاء المدة ولايشمل هذا الأم لكون الحضانة للأم حق من النظام العام الذي لايسقط بالتنازل أو بالسكون بل يتجدد بمجرد المطالبة فقد جاء في شرح زاد المستقنع للخليل (6/ 64) “مسألة / إذا تنازل الإنسان عن حقه في الحضانة ثم أراد أن يعود إليه فله ذلك لأنّ الحضانة حق متجدد وكل حق متجدد يجوز للإنسان أن يرجع إليه كما قلنا في الزوجة إذا تنازلت عن حقها في المبيت فلها أن ترجع وتطلب أن يقسم لها في المبيت”.
ومن المستغرب لمن يفهم المادة السالفة فهماً يتنافى مع عباراتها أودلالاتها والأغرب من ذلك تطبقها تطبيقاً مخالفاً لأحكام الشريعة والنظام الذي يتنافى مع الحكمة التي قررتها الشريعة والنظام من أحقية الأم بالحضانة لأبنائها طالما كانت الأم راغبة في القيام بهذه الوظيفة الجليلة حفاظاً على الأطفال ونشأتهم ورعايتهم تحقيقا لنص المادة (124) ( الحضانة هي حفظ من لايستقل بنفسه عما يضره، وتربيته والقيام على مصالحه بما في ذلك التعليم والعلاج).ومما نود بيانه أيضاً أنه لو أفترضنا أن نص المادة(128/الفقرة3) يشمل الأم صاحبة الحضانة على الأصل وليست مستثناه من النص المادة السالفة رغم أن علماء الشريعة كما بيناه في الفقرة أعلاه قد نصوا أن حق الحضانة للأم حقٌ لايسقط بل أنه يتجدد ، فعند التأمل في نص المادة(128/الفقرة3) نجد أنه قد قيد تقادم حق الحضانة بسبب السكوت أن يكون دون عذر وبرجوع عدالتة محكمتكم الموقرة تجد أن المدعية قد ساقت الأعذار المقبولة والمقنعة كونها كانت مسافرة ولا تريد أن يتحقق بسبب سفرها ضرر للمحضونين أولادها، كما أنها بعد عودتها كانت تسكن في بيت أبيها ولم يكن السكن مناسباً كي تمارس لهم حق الأمومة وحق التربية والعناية فيه، وحين قامت الأم صاحبة الحضانة بتهيئة كافة العوامل التي تمكنها من تحقيق وظيفتها في حضانة أطفالها وتهيئة مسكن مناسب لتقوم بمايتوجب عليهامن التربية والرعاية وتحقيق مصلحة الأولاد وخاصة في التعليم والصحة، تفاجأت بأن المحكمة اتخذت موقفاً وقراراً برد طلبها وعدم قبول دعواها رغم أن المدعية في بداية الأمر لم تنازع المدعى عليه بما هو حق لها بالأولوية حرصا وتغليبا منها لمصلحة الأطفال، فبدلاً من أن يثنى عليها وتشكر على موقفها المسؤول وعلى حكمتها وجميل تصرفها كان ذلك الموقف الإيجابي سبباً لحرمانها من حقها الشرعي والنظامي في حضانة أولادها، وحين ذيلت الصعاب وحسنت وهيئت المسكن واستقرت كي تقوم بواجبها تجاه أطفالها قامت المحكمة برفض دعواها ومعاقبتها جراء تعقلها وتقديم مصلحة الأطفال على مصلحتها الآنية قبل تقديم الدعوى وتجديد طلبها بطلب الحضانة، فإذا تبين ذلك لعدالة محكمتكم الموقرة فإننا نلتمس من عدالتكم الغاء الحكم الابتدائي والحكم للمدعية بحقها الشرعي والنظامي لحضانة أولادها كونه حق يتجدد ولا يتبدد ويسترد ولايسقط.
ولقد قررت الشريعة الإسلامية أنها من حق الأم لكونها الأقدر والأجدر برعاية الأطفال وصيانتهم وتربيتهم التربية الحسنة مما يجعل الحكم محل الاعتراض باطلاً واليكم اقوال الفقهاء في هذا المسألة على النحو الآتي:
- لقد بين الفقهاء بأن حق الأم بالحضانة حق ثابت لايسقط وإنما هو حق يتجدد بمجرد المطالبة به فقد ورد في كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي (19/ 484) بقوله:( ومن أسقط حقه منها ) أي الحضانة سقط لإعراضه عنه وله العود في حقه ( متى شاء ) أنه يتجدد بتجدد الزمان كالنفقة انتهى . وجاء في شرح زاد المستقنع للخليل (6/ 64) “مسألة / إذا تنازل الإنسان عن حقه في الحضانة ثم أراد أن يعود إليه فله ذلك لأنّ الحضانة حق متجدد وكل حق متجدد يجوز للإنسان أن يرجع إليه كما قلنا في الزوجة إذا تنازلت عن حقها في المبيت فلها أن ترجع وتطلب أن يقسم لها في المبيت”.
- كما أنه قد جاءفي شرح زاد المستقنع -للشنقيطي (344/ 5):” الأولى والأحق بالحضانة الأم، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ( أنتِ أحق به ما لم تنكحي ) فقوله عليه الصلاة والسلام: (أنتِ أحق) فيه دليل على أن الأم مقدمة في الحضانة، وهذا بإجماع العلماء من حيث الأصل على أن الأم أولى وأحق بالحضانة، ولذلك هي التي تقوم على تربية ولدها ورعاية شئونه، فأولى من حضن الصبي وقام به الأم. وجاء في شرح زاد المستقنع – الشنقيطي (345/ 5) ذكر شيخ الإسلام رحمه الله عن صبيّ أنه خيره القاضي، فقال له: هذه أمك وهذا أبوك فاختر أيهما شئت، فاختار أباه، فقضى القاضي أنه لأبيه، فقالت المرأة الموفقة العاقلة الحكيمة: يرحمك الله أيها القاضي، سله لماذا اختار أباه؟ فسأله القاضي: فقال هذا الصبي: إن أمي تبعث بي إلى المعلم فيضربني، وأما أبي فيبعثني إلى الأولاد فألعب معهم، فقال القاضي: هو لأمه؛ لأنه إلى الآن لم يميز وأصبح تخييره قائماً على الهوى، وتبين أن الوالد لا يريد مصلحته، فإذاً: ليست القضية قضية حرية منفردة؛ لأن الصبي لا عقل عنده، ولم يصل إلى سن الإدراك، فإذا كانت المصلحة في بقائه عند أمه أبقاه؛ لأن أمه ستعلمه، قالوا: وإنما لم يخير لأن الوالد عليه أمانة التعليم والرعاية للولد، فضيع هذه الأمانة، حتى أن الأم صارت هي التي تقوم على تعليم الولد.
- وجاء في شرح زاد المستقنع للخليل (6/ 60) الأم هي الأحق بالحضانة بالإجماع. لا يقدم على الأم أحد. والدليل على هذا من وجوه: الوجه الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: (أنتِ أحق به ما لم تنكحي) والدليل الثاني: أن عمر بن الخطاب تنازع مع زوجته في عاصم ابنه وارتفعوا إلى أبي بكر – رضي الله عنه – فحكم أبو بكر الصديق بعاصم لأمه وقال لعمر ريحها وشمها ولطفها خير له منك) فهذه السنة وفتاوى الصحابة .. ونستطيع أن نقول اتفق على هذا أبو بكر وعمر لأن عمر لم يعترض. وتقديم الأم أمر ظاهر لمزيد عناية وشفقة الأم. وفي شرح منتهى الإرادات – البهوتي (10/ 266) وردأن حضانة الطفل ونحوه إذا لم يكن له قريب تجب على جميع المسلمين ( وأم ) محضون ( أولى ) بحضانته من أبيه وغيره لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص ” { أن امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت أحق به ما لم تنكحي } ” رواه أبو داود وغيره ولأنها أشفق ، والأب لا يلي حضانته بنفسه وإنما يدفعه إلى امرأته أو غيرها من النساء ، وأمه أولى ممن يدفعه إليها” . ويرى ابن قدامة في شرح “العمدة” (ص: 9) ” لو كانت الأمُّ أصلحَ وأصونَ من الأب؛ فإنها تقدم عليه ولا يلتفت إلى قرعة ولا إلى اختيار؛ لأن الصبيَّ ضعيفُ العقل يؤثر البطالة واللعب. فإذا اختار من يساعده على ذلك؛ فلا التفات لاختياره، وكان عند من هو أنفع له وأصلح، وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام -رحمه الله-. شرح أخصر المختصرات (74/ 16) (ولا يقر محضون بيد من لا يصونه ويصلحه) ؛ لأنه ذريعة إلى إفساده، فإذا كانت الأم تربيه وتعلمه وتلقنه التلقين الحسن، وتدخله المكتب لتعليمه أو مدارس التحفيظ أو نحو ذلك، وأما الأب فإنه منشغل بتجارته أو بحرفته أو بوظيفته وليس متفرغاً للتربية، فالأم أولى؛ لأن صلاحه عندها.
إن مجموع هذه الأقول تؤكد على صحة مابيناه أن حق الحضانة للأم وهو لايسقط بأي وجه كان ، وأن للأم المطالبة به في أي وقت وأنها تجاب لطلبها كونها هي الأولى به بالاجماع ولا يجوز الحكم بما يخالف مقاصد الشريعة الإسلامية وويؤدي إلى حرمان الأم من حقها بموجب الشريعة الإسلامية ونظام الأحوال الشخصية .
I’ve been surfing online more than 2 hours today, yet
I never found any interesting article like yours.
It is pretty worth enough for me. In my opinion, if all web owners and bloggers made good content as
you did, the web will be a lot more useful than ever before.